طباعة

طربوش والمخلافي بزنزانة واحدة "11"

الجمعة, 02 حزيران/يونيو 2017 23:04 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

في إحدى الليالي سمعنا جلبة خارج غرفة السجن لحقها ضربات متلاحقة لإحكام قيد، بما ينبئ أن هناك سجيناً قادماً إلينا وربما يكون شخصية هامة وبينما كان السجناء في حالة ترقب لمعرفة من يكون القادم الجديد فتح باب السجن ودخل شخصاً كان يبدو عليه الإرهاق الشديد ويسير بخطوات مثقلة وجسد منحني ولا يستطيع أن يسند قامته وهي حالات كثيراً ما اعتدنا عليها لرفاق كثر كانوا يعودوا من غرف التحقيق منهاري الأجساد وخائرين القوى، بل أن بعض الحالات كانت تأتي محمولة داخل بطانيات بعد ليلة قاسية من التعذيب ويرمى بها دون إكتراث بين أقدام المساجين وهي غير قادرة على الوقوف وقد لا تسلم أحياناً من رفسات بعض المساجين...، ولكن السجين القادم تلك الليلة كان حالة مختلفة أنه الرفيق عبد الوهاب طربوش الشرجبي "عبد الودود طربوش" الذي تم القبض عليه بعد اجتيازه منطقة الحدود بين الشطرين في منطقة معبق حين كان قادماً من عدن في مهمة حزبية في محافظة تعز، وكان قد تم رصده وتتبعه منذ لحظة اجتيازه منطقة طور الباحة الجنوبية، باتجاه منطقة معبق الشمالية، وعندما شعر بمطاردة دورية حرس الحدود الشمالية، حاول القفز من السيارة التي كان يستقلها للتوغل داخل الشعاب والمناطق الجبلية مستغلاً حالة الظلام الكثيف ليلتها، ولكن بمجرد وصوله إلى الأرض شعر بألم شديد أسفل الظهر ووجد نفسه شبه عاجز عن الحركة بالسرعة التي كان يتوقعها فأدركه أفراد الدورية والقوا القبض عليه وتم اقتياده مباشرة إلى إدارة جهاز الأمن الوطني بتعز وتسليمه لمدير الجهاز ونائبه اللذان حاولا التعرف عليه وكشف حقيقة شخصيته بعد تهديده وتعنيفه ومن ثم تحويله إلى السجن وتقييده - وعبد الوهاب طربوش، وهذا اسمه الحقيقي، وكنا نعرفه قبل السجن باسمه الحركي "عبد الودود طربوش" كان أحد كبار المعلمين بالكلية الحربية بصنعاء، وعضواً قيادياً في الجناح العسكري لحزب الوحدة الشعبية اليمني "حوشي" وفر إلى عدن نتيجة لحملات المطاردات والاعتقالات التي طالت الضباط اليساريين في الجيش اليمني الشمالي، منذ أواخر الستينات وأشتدت بعد صعود علي عبدالله صالح ، لسدة السلطة عام 1978 -، ولتغير ملامحه عما كان عليه حين التقيته لمرة واحدة في عدن أواخر العام 1979، لم اتعرف عليه للوهلة الأولى، ولكن أحد الرفاق من أبناء صبر -لم اعد اتذكر من اسمه سوى " المحيا "- همس في أذني قائلاً هذا عبد الودود طربوش، فقلت له هل أنت متأكد؟! فقال نعم التقيته في عدن، قبل حوالي ستة أشهر تقريباً.

وفي مساء اليوم التالي استدعي عبد الودود للتحقيق ولم يعيدوه إلى غرفتنا ولكن تم إعادته أخر الليل منهكاً من شدة التعذيب إلى غرفة صغيرة مجاورة لباب غرفتنا لحجزه بصورة منفردة، وكنت أقوم يومياً بمساعدة من بعض الرفاق بتوفير السيجارة وتسليمها له عند خروجنا للحمام في الصباح، وفي إحدى الليالي وقف في مواجهة الطاقة الوحيدة في الغرفة وراح يترنم بأغنية: رسولي قم بلغ لي إشارة إلى عند المليح الحالي الزين... فاعتقدت حراسة السجن أنه يقوم بإرسال شفرة ربما تكون بينه وبين مجموعة أخرى خارج السجن تحاول تهريبه، وأعلنت الحراسة ما يشبه حالة الطوارئ طوال الليل إذ توزع الحراس بعضهم على باب الغرفة وبعضهم تحت الطاقة ومجموعة أخرى تمر على شكل دورية في محيط السجن.

وذات يوم همس لي عند الخروج للحمام قائلاً: صاحبك.. عندي جابوه الليلة، فقلت له من هو؟! قال: القيادي الناصري، عبد الملك المخلافي، فاستغليت الفرصة ودخلت إلى الغرفة وحيت عبد الملك مرحباً به، فقال ترحب بي وأنا مقيد.

قلت له: أصبحت القيود جزء من حياتنا في السجن وكنت أنا أيضاً مقيد.. وفي يوم أخر قال لي عبد الودود: نتناقش أنا وعبدالملك ونتفق حول كل القضايا ولا نختلف إلا في قضية واحدة وهي: أنا أقول أن التطور يسير وفقاً للفكر الماركسي، وهو يقول أنه يسير باتجاه الفكر الناصري.

وهذه الحالة ذكرتني بما كان قد قاله الزعيم السوفيتي "خورتشوف" للزعيم جمال عبد الناصر عندما التقيه في إحدى زياراته لموسكو: أنت تقول أنك تطبق النموذج العربي للاشتراكية ولا تطبق الاشتراكية العلمية....* وبعد حوالي أسبوعين فقط من اعتقال عبدالملك تم نقلهما معاً عبد الودود وعبد الملك إلى سجن الجهاز بصنعاء وبعد حوالي شهر وأحد فقط تم إطلاق سراحهما من صنعاء، ومعهما الرفيق بجاش عبد الواحد الكمالي "أحمد غلاب" الذي تم نقله إلى صنعاء بعد متابعة حثيثة من قبل أسرته، وكان ذلك سبباً في امتناع إدارة جهاز الأمن الوطني بتعز، عن نقل أي سجين أخر إلى سجن الجهاز بصنعاء وخاصة من تبقى من جماعة الإحدى عشر، حتى لا يتم إطلاقه.

 ____________

 

* وكأن الاشتراكية العلمية عند خروتشوف وصفة طبية جاهزة للتطبيق على كل المجتمعات والبيئات المختلفة ، غير مدرك أن الاشتراكية علماً كما يقول لينين بأن ماركس لم يفعل سوى أنه وضع الإطار العام للنظرية وحدد مناهجها وأدوات البحث والتحليل فيها. وعلى الاشتراكين كي لا يتخلفوا عن التطور أن يدفعوا بهذا العلم إلى الأمام فالاشتراكية العلمية ليست نموذج واحد وإنما هي نماذج متعددة فاشتراكية ألمانيا غير اشتراكية فرنسا،واشتراكية بريطانيا غير اشتراكية روسيا أو الصين، فالاشتراكية تكتسب تجاربها من خلال التطبيق في البيئات المختلفة ....

 

 # من مذكرات معتقل سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

قراءة 1912 مرات

من أحدث سعيد المخلافي