الرفيق حسن محسن السقاف (3-3)

الأحد, 18 أيار 2014 21:07
قيم الموضوع
(1 تصويت)

 

حتى بعد انتهاء أيام التحقيق، وتماثل جراحه للشفاء، ظل الأستاذ حسن محسن السقاف محط عناية ورعاية الرفاق في "الديوان" (زنزانة جماعية): محمد دبوان، منصور عمر الموفق، عبدالقدوس الكبسي، أحمد الرواج، وعشرات الآخرين. كان هو يركز اهتمامه ورعايته على العائدين من غرف التحقيق؛ يرفع من معنوياتهم، ويشد أزرهم، ويقوم الآخرون بتوفير الدفء وعمل مساجات، وتوفير بعض الطعام لهم.

ظل الرفيق محمد محل عناية خاصة من كل الرفاق، فقد تعرض لتعذيب وحشي، ولساعات طوال خلال النهار. كان الرفاق ينتظرون عودته... وفجأة سمعوا جلبة كبيرة، وصراخاً، وأصواتاً متوحشة آمرة: "انهض.. انهض". تجمع عدد من الرفاق خلف باب الزنزانة من الداخل. فُتحَ باب "الديوان" بقوة، وجاء صوت الجلاد: "جوا بزوا زميلكم".

كان محمد كومة من اللحم؛ يتأوه من أي لمسة! مع ذلك تم إدخاله، ووضعه ممدداً على الفراش، وعمل المساج السريع، ووضع بعض أدوية الإسعاف على جراحه، ومحاولة إطعامه...

وتم استدعاؤه في المساء ثانية... ساعده الرفاق على النهوض، وساعدوه في السير إلى باب "الديوان". طالت ساعات غياب محمد في غرفة التحقيق... عاد آخرون من غرف التحقيق. فجأة، مزق سكونَ الليل أصواتٌ من السُّلَمْ الحجري لدار البشائر. شتائم وسباب، وصرخة ألم مجلجلة. يفتح باب الزنزانة بعنف: "اثنين يجوا يبزوا هذا الـ...". خرج رفيقان وعادا بالرفيق محمد وهو يصرخ من الألم، يده على مؤخرة رأسه، وهو يتمتم بعبارات غير مفهومة. عمل الرفيق حسن على إبعاد الرفاق الذين تحلَّقوا عليه. بدأ الرفاق بعمل المساج لأطرافه، وهو لا يكف عن الأنين والصراخ. سحب الرفيق حسن رأس محمد إلى فخذه، حاول أن يعطيه قليلاً من الماء؛ لكن "محمد" دفع الكأس البلاستيكي بعيداً، وقال: "أريد كأساً زجاجياً". تحت إلحاح الرفيق حسن، شرب محمد قليلاً من الماء، وعاد ودفع بالماء وبقايا الطعام في جوفه على صدره وملابسه.

بدأ يهذي ويطلب طلبات غريبة. من الواضح أنه لم يكن في كامل وعيه. فيما بعد، تبين لأحد الرفاق أن هناك ورماً أسفل رأسه من الخلف. في الصباح نادى أحد السجانين باسمه: "محمد.. للتحقيق". رد عليهم أحد الرفاق بأن محمد لا يقوى على السير، وبإمكانكم الدخول... انصرف السجان وعاد ثانية أكثر إلحاحاً يطلب خروج محمد للتحقيق، وتم الرد عليه بنفس الرد السابق. وأضاف: "محمد لا يأكل ولا يشرب، وهو يهذي طوال الليل". عاد السجان بعد الظهر طالباً إخراج محمد ليكشف عليه"التكتور". تم وضع محمد في بطانية وحمله بها إلى أمام "الديوان". دكتور الأمن الوطني شخص يملك عيادة ضرب الإبر والمجارحة في حي نُقُمْ!

تم إدخال محمد إلى "الديوان"، بعد ادعاء الكشف عليه، ليرفض شرب السوائل المتوافرة (ماء، شاي، عصير)؛ إلا من خلال كأس زجاجي. كان يدفع بالقليل من الطعام الذي يأكله.

عاد السجان وهو يحمل حقنة طالباً أن نُعطي لـ "محمد" هذه الحقنة. رفض الرفاق استلام الحقنة، مطالبين بتوفير طبيب لمعالجته. كان الرفيق حسن إلى جانب محمد على الدوام، يسند رأسه إلى فخذه، يحاول عبثاً إطعامه. ربما في الليلة الثالثة بعد التحقيق، لفظ محمد أنفاسه الأخيرة بين يدي الرفيق حسن محسن السقاف!

رحم الله الرفيق محمد، والرفيق حسن.

 

قراءة 1463 مرات آخر تعديل على الأحد, 18 أيار 2014 21:16

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة