النعمان كداعية سلام

الإثنين, 12 تشرين1/أكتوير 2015 19:30 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

يعتبر الاستاذ "بحق" احمد محمد نعمان الصانع الاول لحركة الاحرار اليمنيين كتسمية "أبو" الاحرار الشاعر العظيم محمد محمود الزبيري.

ما يميز النعمان عن الكثيرين من رفاقه الاحرار مدنيته الاصيلة، وشغفه وإخلاصه للسلام، ورفضه منذ البدء للعصبيات الجاهلية، عصبيات ما قبل عصر الدولة، وما يتنافى مع الوطنية.

في أول لقاء للاحرار في عدن في منتصف الاربعينات والذي ضم الموشكي والزبيري والشامي والفسيل والنعمان وآخرين، تطرق الجميع الى الخلاص من الامام يحيى واستبداله، وكان رد النعمان انه لا يطمح في تغيير الإمام، ولا في أن يحل محله وان كل طموحه هو رفع الظلم عن الفلاح، وعدم تسليط العسكري على المزارعين، وإصلاح الاوضاع على يد الامام نفسه. وحملت افتتاحيات صوت اليمن الناطقة بلسان "الجمعية اليمنية الكبرى" 1946 ومقالاتها وتعليقاتها روح مطلب  ورؤية النعمان في إصلاح الاوضاع، ومعالجة المظالم الفاشية. ولعل كتيب "الانة الاولى" الذي كتب في نهاية الثلاثينات أصدق تعبير عن رؤية ونهج الاستاذ.

كان الاستاذ ضد قتل الامام، فبراير 1948. وكان له رأي في تحرك الاحرار الى صنعاء. وعندما فهم رأيه خطأ واتهم بالطائفية تقدم الصفوف، ليعتقل في ذمار مع رفاقه الاحرار. فكان من أكثر الاحرار جَلَداً وصبراً في التصدي للامامة بدون أوهام "العنف".

وقف الاستاذ ضد إنقلاب 1955 باعتباره اعتداء من الجنود على قرى الحوبان والمزارعين. واختلف مع رفاقه الاحرار في مصر وعدن.

أما بعد ثورة سبتمبر 62 فكان الاستاذ داعية السلام الاول. وتعرض للاضطهاد والقمع. وفيما بعد الإعتقال عام 1966 في مصر مع كوكبة من رفاقه الاحرار بما في ذلك فرض الاقامة الجبرية عليه مع القاضي الفاضل عبدالرحمن الارياني الذي كان يشاطر النعمان موقفه من خيار السلام بعد أن اتسعت دائرة المطالبين بالتصالح والسلام حتى داخل الضباط الاحرار.

إبان الحصار 1968 كان للاستاذ موقف سلامي يتصادم مع الموقف الميداني في صنعاء المحاصرة. ودفع الاستاذ ثمن موقفه السلامي كبطل ترايجيدي. وجرد من جنسيته خارج النظام والقانون من قبل رفاقه وتلاميذه.

رسالته الخالدة الموجهة لبطل المقاومة القائد الفعلي للجيش المدافع عن صنعاء المحاصرة تكشف حقيقة موقف النعمان. يومذاك نزل رأس الدولة القاضي عبدالرحمن الارياني رئيس المجلس الجمهوري الى الحديدة. وهرب كبار الضباط باستثناء الفريق حسن العمري القائد العام. وانتخبت قيادات شبابية للوحدات الموجودة: عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان رئيساً للاركان وقائداً للواء الصاعقة أقوى الألوية الى جانب المظلات، علي مثنى جبران قيادة المدفعية ونائبه عبدالكريم الكتف، محمد صالح فرحان قائداً للواء المشاة، علي محمد هاشم نائباً لرئيس الاركان ورئاسة غرفة العمليات  ونائبه عبدالرقيب الحربي قائد المظلات.

كان الموقف في اليمن كلها شديد الخطورة انقلاب 5 نوفمبر 67 في صنعاء، واستقلال الجنوب في الـ 30 من نوفمبر 67 أيضاً خلق مناخاً ثورياً ورجعياً في آن. إنقلاب نوفمبر جاء الى الحكم بقوى الاحرار اليمنيين المراهنين على ان موقف السعودية هو ضد الوجود المصري. وانهم لا يريدون عودة الامامة. ودحر الثورة. وأنها تقبل بحكم الاحرار غير المعاديين لها. كما جاء نوفمبر بكبار مشايخ الضمان. وهم أتباع السعودية، ومعادون للثورة وتجار حروب حقيقيون. هنا كان موقف النعمان الملتبس فهو مع المصالحة الوطنية، وضد الحرب وضد تجارها، المشايخ وكبار الضباط. كانت القوى التقليدية التابعة للسعودية والضالعة في تجارة الحروب تتهيأ لحرب جديدة. حرب ضد ثورة أكتوبر 64 في الجنوب. وحرب ضد القوى الجديدة في صنعاء، قيادات الجيش الثورية والمقاومة الشعبية، والاتجاهات السياسية: حركة القوميين العرب والبعث والماركسية. ومن هنا نقرأ رسالة النعمان للنقيب وهي الرتبة العسكرية التي رقي اليها مع زملائة قادة الوحدات الجدد، وجلهم من حركة القوميين العرب "ملازمون أوائل".

رسالة النعمان صانع حركة الاحرار المتحالفة مع كبار تجار الحروب والمختلفة يومها مع قوى الثورة المدافعين عن صنعاء. والمدرك لمخاطر امتلاك السلاح في أيدي شباب حديثو التجربة والخبرة. وغير القارئين لتاريخ اليمن. كانت رسالة النعمان رسالة رجل سلام حقيقي ودفع الثمن: النفي والتشريد. والاقصاء من المشاركة.

وأسوأ ما في الامر القراءة السيئة لموقفه السلامي المعادي لكل الحروب وتجارها، فالنعمان بوعيه المدني يدرك أن التاريخ الآثم والدامي جولات صراع تبدأ ألا تنتهي. وهو يحذر الشباب من الوقوع في مستنقع الصراع الثأري الذي لا ينتهي.

الاشتراكي نت يعيد نشر نص الرسالة

من الأستاذ أحمد محمد نعمان

إلى النقيب عبد الرقيب عبد الوهاب

أبريل 1968م

إلى الذين منحهم القدر فرصة نادرة ليحملوا فيها السلاح بعد أن عاش آباؤهم قرونا لا يحملون سوى المحراث ..

إلى هؤلاء أتوجه بالرجاء طالبا ألا يضيعوا الفرصة التي منحهم القدر إياها وأن يحسبوا لخطواتهم ألف حساب، وأن يكونوا على جانب من الحيطة والحذر والحكمة والبصر وعدم التورط في الصراع مع الآخرين ..

كما أحذرهم ألا يغتروا بالسلاح وألا يحاولوا تحدي إخوانهم وزملائهم السابقين الذين احتكروا السلاح فإنهم سيثيرون العصبيات القبلية، والنعرات الطائفية، ويعرضون أنفسهم للإنتقام من ذوي المصالح والمكاسب..

إنني أكرر الرجاء وألح في الطلب، وأتشدد في التحذير، وأناشدهم أن لا يستجروا آلام الماضي أو يفكروا بالأخذ بالثأر أو يستعيدوا ذكريات القرون والأجيال..

إن الذين عاشوا في الماضي كان لهم عذرهم في التعصب واحتكار السلطات والاستغلال والارتزاق بالسلاح.. ولكنا في العصر الحاضر عصر العلم والتحرر والتطور والحضارة لا يقبل منا ما كان يقبل ممن عاشوا في الماضي ولا نعذر كما يعذرون.

إن واجبنا ما دامت الفرصة بين أيدينا أن نعلم أولئك الذين حكمونا بالأساليب الظالمة القاسية.. نعلمهم كيف ينهجون السبيل القويم سبيل الرفق والإنصاف.. لا سبيل العنف والإجحاف، حتى يتأثروا بسلوكنا وأسلوبنا ويعاملوننا بنفس المعاملة فيما لو فشلنا وأصبحنا تحت رحمتهم من جديد..

علينا أن نعلم الآخرين كيف يتعاملون مع كل المواطنين وأن نرسم لهم الطريق الصحيح لتحقيق الوحدة الوطنية الشاملة وتبادل الثقة وحسن الظن وإزالة الشكوك، ونبين لهم أن الإختلاف في الرأي أو المذهب وحتى في الدين لن يحول دون التعارف والتفاهم والتعايش في سلام واستقرار وعدالة ومساواة..

إن أمامنا شعوبا مختلفة الأديان والمذاهب والآراء واللغات، تعيش في وطن واحد لا يفرق بينها رأي ولا مذهب ولا دين ولا لغة.. ونحن بالرغم من وحدة الأرض والدين لا نزال حتى اليوم متفرقين نحارب أنفسنا ونسفك دماءنا ونخرب ديارنا.. فأي لعنة تحل علينا ؟ وأية همجية ووحشية أفظع مما تحياه بلادنااليوم.

اليمنيون لا تحميهم حكومة مقيدة بنظام أو ملتزمة بقانون، وإنما تحميهم الصدفة ويحميهم السلاح الذي حصلوا عليه بالصدفة، غير أن هذا السلاح لا يحمي الأغلبية المغلوبة وإنما يحمي الأقلية المتسلطة التي تتخذ منه قانونا ودستورا ونظاما للإرهاب والتسلط والإرتزاق.

والويل كل الويل للضعفاء الذين يتخذون من السلاح وسيلة لحكم القانون وحمايته والدفاع عنه ليعيش المواطن في ظل القانون آمنا على نفسه وماله وعرضه.

إن الجيش قد يهزم وإن السلاح قد يتحطم، ولكن القانون يظل حيا منتصرا لا يهزم ولا يتحطم.. لأنه خلاصة تجارب البشرية في مختلف العصور وحصيلة أفكارالمصلحين والقادة والحكماء والعلماء لضمان حرية الإنسان وحمايته من العدوان.

يا من ذاق آباؤهم الظلم ألوانا:

إن الشعوب التي لا تملك السلاح لا تنتصر بالسلاح وحده ولكنها تنتصر بالإنسان المدرك الواعي.. كما أنها لا تضمن الاستقرار والرخاء والسعادة إلا في ظل قانون ينظم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، ويحدد المسئوليات، ويضمن الحريات، ويكفل المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، فلا تطغى فئة على فئة، ولاطائفة على أخرى، ولا يتسلط الأقوياء على الضعفاء.

إن الذين لا يفكرون إلا بالسلاح ليستمدوا منه سلطانهم، وليواجهوا به مخالفيهم ويقاتلوا به إخوانهم ومواطنيهم، ولا يتبادلون إلا طلقات الرصاص بدلا من تبادل الرأي. إن هؤلاء ليسوا سوى عصابات كل همها إشباع غرائزها..

لا تؤمن بالعقل ولا بالمنطق ولا بالقانون ولا بالإنسان.. والبلد الذي يتحول أبناؤه إلى عصابات يصبح غابة وحوش ضارية يفترس بعضها بعضا..

يا أبناء المعذبين والمستضعفين في الأرض:

أنتم قبل غيركم مسئولون عن تحقيق حكم سليم يقوم على الانتخاب الحر وعلى رغبة الجماهير ورضاها.. وهذا ما تطالب به كل الشعوب والأمم وتقدم التضحيات في سبيله وتحارب من أجله..

أنتم قبل غيركم المطالبون بتحقيق هذا المطلب الذي طولب به أيام الإمام يحيى وخلفاؤه من بعده، لتحموا مسقبلكم ومستقبل أبناءكم وأحفادكم..

إن ثوار 26 سبتمبر 1962م ما عدا قلة قليلة لم يحققوا سوى المكاسب والمغانم والمناصب والرتب لأنفسهم ولخاصتهم وللمحسوبين عليهم.. أما الشعب فلم يحققوا له سوى الخراب والدمار والتمزق فكانوا أكثر شرا وسوءً من الحكام السابقين، بل لقد ضاعفوا الشرور والأخطار حين أدخلوا البلاد تحت النفوذ الأجنبي وجعلوها ميدان صراع دولي ومسرحا للأحقاد والحروب العربية.. فكونوا أنتم التصحيح لهذا كله يا ثوار 5 نوفمبر سنة 1967..

وحسب البلاد ما أصابها من ويلات وخراب وسفك دماء خلال هذه الأشهر القليلة على أيديكم حتى عرضتم العاصمة صنعاء للخراب..

إن الأقطار المتقدمة التي كنا نستلهم منها الرشد ونتطلع إليها لنسير على هداها ونقتدي بها والتي تأثرنا بدعايتها وقلدناها تقليدا أعمى واتجهنا إليها بكل أمالنا وأمانينا.. هذه الأقطار بعد أن غرقت في الأخطاء والغلطات والانحرافات بدأت تصحح أخطاءها وغلطاتها وانحرافاتها بكل شجاعة وأمام سمع العالم وبصره لا تخاف خوفة لائم..

كما عرفت مؤخرا أن الحكومات لا تقوم بقوة السلاح ولا بأحهزة الإعلام ولا بالمشاريع الخيالية.. بل بالبناء الصحيح للإنسان الحر القوي وبالخضوع للقانون العادل..

أفلا يجدر بنا أن نقلدها في التصحيح بشجاعة وصراحة كما قلدناها في الأغلاط والأخطاء والانحرافات والمظاهر والشعارات والشتائم والأكاذيب والدعايات.

يا أبناء المعذبين والمستضعفين:

حتى لا تتكرر مأساة الأجيال والقرون في بلدكم وفي يمنكم، ضعوا حدا للإرتزاق بالسلاح والقتل وسفك الدماء فإن استمرارها وصمة عار على شعبكم.

علموا الشعب أن للرزق الحلال وسائل شريفة ومجالات واسعة في الزراعة والتجارة والأعمال الحرة التي تعيش منها شعوب العالم كلها..

إنكم صباح مساء تنددون بالمرتزقة وتعلنون أنكم في حرب مع المرتزقة وخلال ست سنوات ولا كفاح ولا نضال إلا ضد المرتزقة.. والواقع الذي ينبغي علينا أن نصارح به أنفسنا هو أنه لا يوجد شعب كشعب اليمن تحول معظم أبناءه إلى مرتزقة يقاتل بعضهم بعضا ويأخذون المال والأجر على قتال إخوانهم وأبناءهم ومواطنيهم.. إن علينا أن نغير هذا الواقع فلا نتجاهله ولا نغض أبصارنا عنه حتى لا نكون كالنعامة التي تغرس رأسها في الرمال لتخفي نفسها عن الصياد.. إن العالم يشهد هذا الواقع اليمني وإن تجار الحروب يستغلونه لتحقيق أهدافهم وحماية مصالحهم..

إن المرتزقة ظاهرة إجرامية خطيرة تكافحها الشعوب المتحضرة كما تكافح الأوبئة، والأمراض والعاهات.. وإن أية فئة أو حكومة تستغل النفوس الضعيفة والفئات الجاهلة الفقيرة وتحولها إلى عصابات مسلحة تشجعها على الإرتزاق بالقتل وسفك الدماء باسم حرب التحرير والكفاح الوطني وتحت ستار الشعارات

المضللة.. إن هذه الفئة أو الحكومة التي تصنع هذا الصنيع إنما تسجل على نفسها التجرد عن كل معنى من معاني الإنسانية والانحطاط إلى الدرك الأسفل من الهمجية والوحشية والإجرام.

يا هؤلاء:

إنكم لن تستطيعوا أن تحققوا لليمن سعادة ولا استقرارا حتى تحرروها من الارتزاق بالسلاح.. وحتى تحرروها من اغتصاب السلطة وحتى تضمنوا لها شرعية الحكم بحيث لا يحكمها سوى من يختارهم الشعب عن طريق مجلس الشورى أو مجلس الأمة أو المجلس الوطني الذي يجب أن ينبثق عن المؤتمر الشعبي الذي يدعى له ممثلو الشعب من كل لواء من الألوية حسب عدد السكان.. وليكن البدء بتشكيل لجنة تحضيرية ممن لا يشاركون في السلطة، مهمتها الإعداد لعقد مؤتمر شعبي شامل يقوم بالتالي:-

1- إقرار الدستور القائم أو تعديله.

2- انتخاب مجلس شورى يكون من حقه إنتخاب مجلس جمهوري كما يكون له الحق في سحب الثقة من المجلس الجمهوري ومجلس الوزراء الذي يجب أن يحصل على الثقة من مجلس الشورى أولاً..

بهذا لا بغيره يمكنكم أن تكونوا حقا قد خدمتم اليمن وحررتموها.. وبهذا تكونون شجعاناً أبطالاً وثواراً أبراراً..

والله يوفقكم ويسدد خطاكم..

قراءة 1926 مرات آخر تعديل على الخميس, 15 تشرين1/أكتوير 2015 18:29

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة