المقاومة العادلة في الحرب الجارية

الإثنين, 16 تشرين2/نوفمبر 2015 17:44 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

من وحي الحلقة النقاشية التي اقامتها صحيفة "الثوري" و"الاشتراكي نت" تحية لهم

المقاومة العادلة في الحرب الجارية

في البداية شكراً للثوري الصحيفة والاشتراكي نت على مبادرتهما في اقامة هذه الفعالية السياسية الفكرية النقاشية، وعلى اختيار العنوان الذي أثار جدلاً يستحقه، ويستحق ان يدار حول عنوانه اكثر من جلسة حوارية.

ان موضوع الحلقة النقاشية بقدر ما هو موضوع سياسي راهن على انه في الواقع قضية سياسية وطنية وتاريخية، قضية إشكالية معقدة لها صلة واقعية بمعنى الصراع السياسي الاجتماعي حول السلطة والثروة بين اطراف المجتمع المختلفة ممتدة لقرون سحيقة في التاريخ السياسي والاجتماعي الوطني اليمني، قضية يتداخل فيها الايديولوجي، بالمذهبي، (بالطائفي احياناً) يتداخل فيها السياسي بالفكري، العسكري، بالميليشاوي، القبلي المسلح، بالقبلي الفلاح (الرعوي)، شيخ السلطة، العقلية المسلحة وذراعها العسكري في حروبها الداخلية، بشيخ القرية مالك الارض وزارعها، نحن امام جملة من التدخلات لها جذرها الموضوعي السياسي التاريخي.

ومن هنا تعقيد وحساسية أبعاد الصراع الجاري اليوم.

ولا يستطيع الباحث في الفكر السياسي، والسيسيولوجي، والتاريخي، الا ان يقرأ في تحالف الحوثي/صالح عمق حضور تاريخية هذا الصراع من اجل السلطة والثروة واحتكارهما. فيما بينهما، وهي في تقديري اليوم ليست اكثر من محاولة مجنونة عبثية، بائسة (معاندة لحركة التاريخ) محاولة استرداديه للتاريخ، في اتجاه إعادة دولة سلطة المركز السياسي العصبوي التاريخي (المقدس) او ما تبقى من تلكم "السلطنة" ولكن في شروط عصر وتاريخ، ومرحلة مغايرة، ومن هنا عبث وجنون حربهما (الحوثي/صالح)) على كل البلاد، على طريق إعادة محاولاتهما اقتسام السلطة فيما بينهما، وكأنهما لم يريا جملة التفاعلات والتخيلات الحاصلة في بنية الواقع وفي تركيبة المجتمع السياسية والاجتماعية والثلاثية والوطنية على الأقل منذ قيام ثورة فبراير 2011م وقبله الحراك السلمي الجنوبي، إنه جنون التعلق بالسلطة، والجوع التاريخي لهما، هو ما دفعهما لشن هذه الحرب العبثية على كل البلاد (او أغلب مناطق البلاد) في محاولة لاقتسام السلطة كرة  ثانية  وبصورة جديدة فيما بينهما: وتجليها الفقهي السياسي في صورة المرشد الاعلى القابع في جبال مران.

ولعلي صالح وابنائه وأتباعه القسم السياسي والعسكري في السلطة، وترك ما تبقى من فتات الثروة، وما يقررانه مما تبقى من فائض السلطة (لبعض الوزراء في الحكومة) للمحاصصة بين مجموع الشعب، في صورة المكونات السياسية -  كما جرت  العادة - التي ممكن ان تقبل السير في هذه اللعبة السياسية المجزأة، تحت غطاء  شرعية سياسية هي نتاج انقلاب الحوثي/ صالح على الشرعية الدستورية، والتوافقية معاً (الممثلات في  رئيس الجمهورية والحكومة)، الانقلاب الذي تحقق عبر تحالف الحوثي وصالح في 21 سبتمبر 2014م، وبعدها في صورة ما يسمى الاعلان الدستوري في 6 فبراير 2015م حتى الانقلاب السياسي والعسكري الجذري على كل التوافقات السياسية، والدستورية بما فيها مخرجات الحوار الوطني الشامل، بعد ضرب واحتلال دار الرئاسة، والاستيلاء على القصر الجمهوري، ووضع رئيس الجمهورية والحكومة تحت الاقامة الجبرية في 20 يناير 2015.

في تقديري ان الحرب الدائرة هي في جوهرها تعبير عميق عن حرب بين مشروعين: مشروع الحوثي وصالح في الحفاظ على ما تبقى من دولة سلطة المركز السياسي العصبوي التاريخي (المقدس) الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، وهو ما تكشفه وتعلن عنه، وتعبر عن حقيقته بجلاء مضمون الحرب العسكرية، والسياسية، والاعلامية الجارية في رداءة الطائفي، على معظم محافظات اليمن، وعلى أغلبية سكان البلاد (عدن، لحج، أبين، الضالع، شبوة، البيضاء، مأرب، تعز، الحديدة، ريمة، ذمار "عتمة") وهي الحرب التي استدعت الخارج الى داخلنا.

وفي المقابل لذلك، مشروع الدولة المدنية الاتحادية، الحلم السياسي، والاجتماعي، والوطني التاريخي لعموم الشعب، والذي لا نعلم كيف سيولد في خضم هذه الحرب، ومن عنف نتائجها القاتلة، والكارثية، ولكنه قطعاً حلم ورغبة وحاجة سياسية، وطنية تاريخية سيولد رغم كل المعاندات الماضوية المستمرة في هذا الاتجاه منذ أكثر من خمسة عقود.

ومن هذه الخلفية السياسية الفكرية الواقعية والتاريخية، نرى ان لا معنى اليوم لأي دعوة لإيقاف الحرب، والسلام، وإمكانية العودة الى إمكانية العودة للعودة السياسية، وتأجيل مسار التحول الديمقراطي، ان لم يكن ذلك مجسداً ومعبراً عنه في رؤية سياسية، عملية، واقعية واضحة لإيقاف الحرب، إيقافها على أسس وقواعد سياسية، ووطنية عادلة، تحقق مصالح مجموع الشعب اليمني، دعوة إيقاف الحرب يجب ان توصل الناس - الأقل في المدى المتوسط - والبعيد، الى هدف سياسي وطني كبير ونبيل وهو استعادة الدولة في مقوماتها الأولية المصادرة، وإعادة بنائها على أسس وقواعد وديمقراطية، مستقبلها هو دولة اتحادية، بعيداً عن خطاب العواطف، والطروحات الرومانسية المجردة حول إيقاف الحرب، في صورة المفاهيم الاخلاقية العامة، الفضفاضة لإيقاف الحرب، والحوار والسلام، التي لا تقود في الممارسة الواقعية الى شيء له معنى مادي او سياسي ملموس في الواقع، بقدر ما تقود مثل هذه الدعوات العاطفية والاخلاقية المجردة في أحسن الاحوال الى تحقيق هدنة حرب، هدنة بين حروب لا تتوقف، هدف يؤجل الحل السياسي الواقعي الى مدى غير معلوم، وفي النهاية نجد أنفسنا أمام إعادة إلذات النظام القديم/ الجديد بجميع أطرافه، ومكوناته. ولذلك نرى ونقول بالفم الملآن ألّا معنى لأي دعوة لإيقاف الحرب ان لم تكن لإرادة الشعب في أغلبيته العظمى، وان لم تكن انتصاراً سياسياً، ووطنياً وتاريخياً لمشروع المواطنة، والدولة الديمقراطية الاتحادية، وانتصاراً لقضية الجمهورية التي انقلب عليها علي صالح بالجمهورية والدولة، نحو توريثها في الابناء والاحفاد في صورة الجمهورية الوراثية"، والمطلوب اليوم استبدالها "الجمهورية" بدولة ولاية الفقيه، تحت قيادة المرشد الأعلى في اطار جمهورية اسلامية كما يحلم بذلك البعض، وهو ما وحّد الحوثي وصالح في مشروع حربهما المشتركة على أغلبية  سكان البلاد.

ان ما يجمع ويوحد الحوثي وصالح هو الشيء الاستراتيجي القائم في صورة استعادة الجمهورية الوراثية، وحلم دولة الفقيه، وهو ما يفسر شن هذه الحرب العدوانية على  البلاد في محاولة لوهم اعادة إقتسام السلطة فيما بينها كما يدور في خلديهما، وخياليهما المريض، وان ما يفرق بينهما انما هو الثانوي/ التكتيكي، ومنها مساحة وحجم ومضمون حضور الخطاب الديني، والطائفي، والسلالي، وتوظيف كل ذلك في صراعهما، الجاري، أي المدى الذي قد يذهبان فيه إلى استخدام وتوظيف الدين والطائفة والسلالة، في قلب هذا الصراع، ومن هنا تباين واختلاف شكل وطريقة إدارتهما للسلطة والدولة.

صالح كان وما زال يحلم باستمرار ادارته للسلطة والدولة بالأزمات والمؤامرات، وفي هذا الطريق استخدم ووظف الدين والمذهبية، والطائفية، والقبلية، والمنطقة، حتى توظيف الاطراف الخارجية، لخدمة استمرار بقائه في السلطة، والحوثي يرغب، ويحلم، بل ويمارس اليوم إدارة سلطة الدولة، بعقل الجماعة عبر الاطار النظري/ الايديولوجي لولاية الفقيه، والمرشد الاعلى القابع فوق  جميع مؤسسات الدولة، وفوق قوانين وانظمة إدارة السلطة، وفوق الجمهورية...، وكأنه يقول "انا الدولة والدولة انا" كما قالها لويس الرابع عشر، ولكن في صورة تقليدية ماضوية وكل ذلك من خلال عنف وقوة حضور وفعل الميليشيا الثورية "الحرس الثوري"، وفي سياق جملة من الشعارات الايديولوجية، السياسية، الخالية من المعنى، "الموت لأمريكا الموت لأسرائيل..." مع ان ما يمارسه فعليا على الارض هو موت محقق لا يخطئ التصويب تجاه اليمنيين.

الحزب الاشتراكي وقضية الحرب والموقف السياسي منهما

ان موقف الحزب الاشتراكي ضد الحرب قديم، او لها تاريخ سياسي مرير، هي بطعم الحنظل، تعلم منها الحزب الكثير، كانت منها كارثة 13 يباير 1986م التي نتحمل مسؤوليتها جميعاً - بدرجات متفاوتة - وهي الحرب الكارثية التي قصمت ظهر الحزب، ولكنها تجربة على قساوتها ومرارتها علمت الحزب الكثير من المعاني ومن القيم والعبر العملية والفكرية والسياسية، بل انني استطيع القول انها شكلت لدينا ما يشبه العقدة الذاتية في معنى الحرب، وفي مغبة الدخول في غمارها، لخطورتها على المستقبل، خاصة حين يكون بالإمكان تجنبها، وحين تكون صراعات داخلية (حزبية) سببها غياب الديمقراطية، سواء في اطار الحزب الواحد او في اطار صراع الاحزاب السياسية داخل الوطن الواحد، ومن هنا كانت مراجعات الحزب الاشتراكي الفكرية والسياسية النقدية لمسار تجربته السياسية الخاصة، وإعلانها نقدها في أكثر من وثيقة، وفي أكثر من سياق كان يستدعي ذلك، ومن هنا نقد الحزب الاشتراكي لقضية وظاهرة الحرب، ومن هذه الخلفية السياسية والقناعات يرفض الحروب الداخلية، ولذلك سعى دائباً ومع كل الاطراف لتجنيب دولة الوحدة بعد قيامها من جنون محاولات صالح وأعوانه جر البلاد الى الحرب، بهدف الاستئثار بالسلطة، الثروة، واقصاء شراكة الجنوب، واحتكار الحكم منفرداً، ومن هنا مبادرات ودعوات الاشتراكي تغليب لغة الحوار والحلول السياسية السلمية، عبر تسويات توافقية متبادلة، وفي هذا السياق تقدم بالعديد من المبادرات لتجنيب اليمن الحرب التي كان تحالف صالح يُعد لها بصورة منظمة وممنهجه، وهنا كانت عُقدة 13 يناير دروسها وعبرها- حاضرة في عقل وسلوك قيادة الاشتراكي في رفض خيار صالح وحلفائه للحرب، ولم يُعد الاشتراكي أي عُدة للسير في اتجاه الخراب العظيم الذي كان صالح يُعد البلاد ويجهز نفسه على أساس من ان لا خيار سوى الحرب طريقاً لإقصاء الآخر.

وفي هذا المنحى ذهب في عملية اغتيال قيادات الاشتراكي وكوادره وأعضائه  الى الحد الذي آثار حنق وغضب حتى الاطراف المحايدة والمستقلة في المجتمع، ولم يقابل الحزب الاشتراكي كل ذلك بسلوك مماثل، وكان قادراً على ذلك. ورد فعل الاشتراكي على عمليات القتل لأعضائه كان ذهابه مع جميع أطراف المجتمع نحو تشكيل لجنة الحوار الوطني، والتي كان خلاصتها انتاج صيغة "وثيقة العهد والاتفاق" التي اكدت مبكراً على قيام الدولة الفيدرالية، ووصمها صالح وتحالفه بانها وثيقة الخيانة والعمالة، والتي اسقطها تحالف الحرب، في صورة حربهما اللا وطنية  على الوحدة السلمية التعددية الديمقراطية بإعلانه خطاب الحرب في ميدان السبعين في 7/7/1994م، وهو اليوم كرة ثانية يعيد انتاج خطاب الحرب ذاته حين اعلن في 5 مارس 2015م حربهما على دولة الشرعية وسلطة التوافق السياسية والدستورية في  صورة الحرب الجارية اليوم.

وفي سياق موقف الحزب الاشتراكي في الحرب ورفضها كان نقده ورفضه لحرب صالح على الحوثيين فيما تسمى (حروب صعدة الست) وهي الحرب اللاوطنية الظالمة على الداخل الوطني وبدون أي دواعٍ سياسية وطنية واضحة معلن عنها، حرب سياسية عسكرية، كان احد أهدافها تصفية حسابات سياسية سلطوية داخل بنية الحكم ذاته (علي صالح/ محسن) وهي في جانب آخر حرب استثمار للمال في الخارج الامريكي/ الاوروبي وفي السعودية تحديداً، حين حاول إعطاء حربه اللاوطنية بُعد حرب مكافحة الارهاب العالمي، وشعر محاربة التطرف الديني والقاعدة، ومن هنا كان الاساس السياسي الفكري والوطني للاشتراكي لنقد هذه الحرب ورفضها واعتبارها حرباً غير وطنية.

وفي المنطق والمنطلق ذاته يعتبر الحزب الاشتراكي حرب الحوثي/ صالح الدائرة اليوم ضد الداخل الوطني، حرباً لا وطنية ولا شرعية سياسية لها، حرباً عدوانية على الداخل الوطني، التي فرضت موضوعياً في مواجهتها تشكل حالة مقاومة ضدية لها، من أبناء هذه المحافظات دفاعاً عن أنفسهم، ومدنهم، واهاليهم، وكرامتهم، السياسية والاجتماعية والوطنية المهدورة بالحرب، حيث وصل عدد شهداء تعز، معظمهم من المدنيين (نساء، أطفال، شيوخ) وكان نصيب الاشتراكي في الشهداء، أكثر من مائة وعشرين شهيداً ومن هنا اعلن منظمات الحزب الاشتراكي في ساحات المقاومة المختلفة ادانتها للعدوان على مدنهم وأهاليهم ومطالبتهم بوقفها، خاصة انها صارت في غالبها الأعظم نضال المدنيين العزل من السلاح، والمناطق السكنية بصورة عشوائية، وكيفما اتفق، هدفهم المباشر قتل أكبر عدد من السكان للضغط على المقاومين إعلان استسلامهم، ومن هنا رفض ونقد جميع المكونات المدنية لهذه الحرب واعتبارها حرباً غير وطنية ولا شرعية لها من أي نوع كان. ومن هنا كان وما يزال الحزب الاشتراكي عند جميع الحروب العدوانية اللاوطنية ومع شرعية حق الناس في الدفاع عن انفسهم ومقاومة العدوان وصده بالطريقة التي تدحره وتبعده عنهم.

مستويات خطاب إيقاف الحرب والدعوة للحوار والسلام

ان خطاب ايقاف الحرب والسلام وتجنيب المجتمع مخاطر العنف والحرب هو قطعاً امر جميل ودعوات سياسية (الجميع يقول بها بمن فيهم من فجر الحرب) ولكن يبقى السؤال كيف يتم ايقاف الحرب فعلياً؟ حيث يبقى هذا السؤال مشرعاً دون جواب.

 ويظل خطاب ايقاف الحرب والعودة، للحوار واستئناف العملية السياسية في هذا السياق في القول كلاماً سياسياً معلقاً في فراغ القول المجرد، وممنوعاً من الصرف، خاصة في واقع تداخل وتشابك التفاعلات الوطنية الداخلية مع تفاعلات معادلات القوة على الصعيدين الإقليمي والدولي بعد ان صارت القضية اليمنية مدولة ومعربة مع اعلان المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الامن الدولي واخرها القرار رقم 2216.

وفي تقدير العديد من المحللين  السياسيين والمتابعين والباحثين في الشأن السياسي اليمني انه لا معنى لخطاب نقد الحرب ورفضها والدعوة لوقفها دون توافر شروط موضوعية سياسية ودون قبول الطرف الاخر الذي فجر الحرب بالبدء بإيقافها والاهم من كل ذلك ان دعوة ايقاف والعودة للحوار والتسوية السياسية يجب ان تنطلق في رؤية سياسية ووطنية واقعية واضحة لإيقاف الحرب، أي رؤية تمتلك ادوات تجعل ايقاف الحرب قابلا للتنفيذ، باختصار رؤية تقوم على تنفيذ القرار الاممي 2216 دون شروط ، ايقاف الحرب على قاعدة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل ، والعودة عن الانقلاب واستعادة الدولة كما كانت قبل الانقلاب، وفي سياق الحديث عن مستويات خطاب الدعوة لإيقاف الحرب هناك كما هو واضح ثلاثة مستويات لخطاب إيقاف الحرب، والعودة للحوار والحلول السياسية.

1- خطاب يطالب بايقاف الحرب العدوانية الداخلية على المجتمع الاهلي(المدني/ والاجتماعي)، حرب دمرت النسيج الاجتماعي والوطني وهي الحرب التي اعلنها وشنها الحوثي وصالح على معظم محافظات البلاد وعلى اغلب اليمن، والخطورة بل والكارثة انها حرب اعلن نفيرها وخطاب تعبئتها الذي أعلنه عبدالملك الحوثي، انها حرب جهاد ضد كفار التأويل (التكفيريين، القاعدة، والدواعش)، أي انها حرب دينية مذهبية تطال اكثر من 80% من سكان البلاد. وهي الحرب التي بدأت ملامحها تتجلى بوضوح من بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014م وانتاج صيغة (اتفاق السلم والشراكة) تحت الإكراه، وبقوة السلاح، وسلطة أمر واقع الانقلاب، الاتفاق الذي صاغه الحوثيون وممثل الأمين العام للأمم المتحدة، وبمفردهما، وفرض قسراً على جميع المكونات السياسية، وطلب من الجميع البصم عليه حتى قبل قراءته، فقط مطلوب تواقيعهم، ومع ذلك قبل الجميع به، ولكنه صار ممنوعاً من الصرف من قبل الحوثيين، وصالح، بعد أن استتب أمر تحالفهما، وسيرهما معاً نحو الحرب، ضد جميع المكونات السياسية وتكوينات المجتمع.

ويرى أصحاب خطاب الحرب الداخلية أن الحرب على الداخل وتداعياتها، وارتباطاتها الخارجية في صورة الصراع الاقليمي، هو من استدعى الخارج الى الداخل، ومن أن ايقاف الحرب الداخلية كان ممكناً ان يكون مقدمة لإيقاف الحرب الخارجية في تشابكاتها الداخلي الوطني، وذلك لانتقاء مبرر استمرارها، على الأقل أمام وعند قطاع واسع من ناس المجتمع، وكذا أمام المجتمع الدولي.

2 - المستوى الثاني من خطاب إيقاف الحرب: القائل بإيقاف الحرب الخارجية على الداخل في صورة قوات التحالف، تحت قيادة السعودية، التي حضرت وقدمت بطلب من الرئيس عبد ربه منصور، وهو خطاب صادر عن الحوثي وصالح، والمكونات السياسية والقوى الاجتماعية الموالية لهما، أو ما تبقى منها، بعد انشقاق وتشظي معظمها بين الأطراف المختلفة، بما فيها انقسام حزب الرئيس صالح (المؤتمر الشعبي العام)، ولا يقول هذا الطرف في خطابه السياسي على أي أسس أو قواعد أو شروط سياسية يكون إيقاف الحرب، وهو لا يرى من الحرب سوى طابعها الخارجي، ولا يرى في حربه المدمرة والكارثية على الداخل الوطني سوى حرب وجهاد ضد كفار التأويل، وفي الأصل هي حرب استرداد لسلطة غائبة، أو مستلبة كما يعتقد.

يريد كفار التأويل والتكفير والدواعش أخذها منهم ثانية -كانت الأولى مع ثورة 26 سبتمبر 1962- ومن هنا شرعية حربهم على معظم المختلفين معهم وهي في نظرهم حرب شرعية/ دينية/ وطنية، مقدمة، ولا معنى لإيقافها إلا بعودة الشرعية السياسية التاريخية لأصحابها، ومن هنا تركيز خطابهم في إيقاف الحرب على الحرب الخارجية ضدهم.

3 - المستوى الثالث: هو الخطاب القائل بإيقاف الحرب بمستويها، الداخلي، والخارجي ووصفهما، ووضعهما طرفي الحرب -كما يقولون- بما فيه المقاربات الشعبية، في مستوى واحد، دون تمييز أو تحديد للحدود والفواصل فيما بينهما، ومن هنا توصيف خطابه في الدعوة لإيقاف الحرب، بأنها حرب بين (طرفين) (متحاربين) (تجار حروب) ...إلخ، والخطورة هنا انتفاء التمييز بين الحرب العادلة، حرب من يدافع عن نفسه، ومدينته، وأهله، وكرامته، وبين من يخوض حربه الذاتية الخاصة (العدوانية)، قاطعاً مئات الكليومترات، ومستخدماً وموظفاً مقدرات الدولة كافة، وأدوات السلطة، جيشها، وإعلامها، وأموالها، في خدمة حربه الخاصة، كما أن خطاب هذا المستوى لا يفرق بين من أدار لعبة الثورة المضادة بالانقلاب على كل التوافقات السياسية، وعلى الشرعية الدستورية القائمة، معلناً الحرب عليها، عسكرياً، وسياسياً، خاصة بعد إعلان ما يسمى بالإعلان الدستوري في 6 فبراير 2015. والملفت أن خطاب هذا المستوى في ايقاف الحرب الداخلية، والخارجية، لا يقدم رؤيته السياسية، ولا الخطوات العملية، لإيقاف الحرب وكيفية العودة للعملية السياسية، ولا يحدد لنا مداخل، وخطوات إنجاز الذهاب لتحقيق السلام، فقط حديث إعام في طابع اخلاقي فضفاض، ومجرد عن ايقاف الحرب بين (طرفي الحرب). ولتصبح الكارثة طامة، وفاجعة حين يأتي هذا الخطاب من حزب سياسي أو مكون سياسي، وكأن البعض منا يريد أن يقول لنا، انهم أو أننا لسنا طرفاً في هذا الصراع الجاري، ومن أن هذا الصراع لا يطالنا ولا يمسنا، أو هو صراع لا يعنينا، لأنهما كما يرى البعض حرب بين قوى تقليدية، متخلفة، رجعية، تريد أن تقودنا الى حرب طائفية مذهبية (دون تمييز بين مقاومة في حربها العادلة دفاعاً عن النفس، والوجود، والكرامة). وبين عدوان غاشم في استعمار داخلي أعمى، بلا مشروع سياسي وطني، علماً أن الصراع الجاري سواء في بعده وطابعه السياسي أو حتى العسكري، والوطني، فإنه قطعاً يعنينا ويخصنا ويطالنا مباشرة حتى لو لم نحمل السلاح ضده وفي مواجهته، فالكل في هذه الحرب حاضر من بداياتها السياسية الأولى، حتى الانقلاب العسكري والسياسي، وصولاً بالذهاب بالحرب الى كل محافظات ومدن وأرياف اليمن، وهو ما قاد موضوعياً وسياسياً الى تشكيل حالة رد فعل عليه وفي مواجهته، وهي مقاومة مشروعة، وشرعية بكل المعايير والشرائع والقوانين الوضعية والسماوية، وهي بذلك تكتسب شروط وصفات وحقوق الحرب العادلة، وهو ما يسقط تهافت خطاب طرفي الحرب.

لقد قتل تحالف ثنائي الحرب (الحوثي/صالح) إحساس قطاع واسع من ناس المجتمع بوطأة العدوان الخارجي، خاصة بعد ان تشابكت وتقاطعت حاجات ومصالح قطاعات واسعة من ناس المجتمع مع توجهات الخارج في صورة التحالف الاقليمي/ الدولي، حيث رأى ووجد هذا القطاع الواسع من الشعب في «تحالف» الخارج عوناً وسنداً لهم في صد عدوان الداخل عليهم «وظلم ذوي القرى أشد مضاضة على النفس من واقع الحسام المهند»، وهو ما نشاهده بوضوح في نظرة قطاع واسع من أبناء الجنوب، وجنوب الشمال، والتهائم، وهم من يشكلون ما نسبته 80 % من السكان.

ولا استطيع هنا سوى أن أٍقول مع ما ذهب إليه د. أبوبكر السقاف، حين أشار من أن البعث الصدامي (العراقي) يكفيه خزياً أنه جعل من الاحتلال الامريكي للعراق منقذاً، وبالمثل أقول يكفي الحوثي/ صالح مهادنة، وذلاً وطنياً، انهما دمرا إحساس اليمنيين بالمعنى الوطني العام والجامع المشترك فيما بينهما لسنوات طويلة قادمة، ومن أنهما جعلا قطاعاً واسعاً من اليمنيين يجدون في الخارج سنداً وحليفاً لهم على عدوان الداخل، وهي قمة المأساة.

إن ما يحصل اليوم له مرجعياته، أو تراثه السياسي، والاجتماعي في تاريخ حكم الإمامة الكهنوتي، حيث تمكن الطغيان، والاستبداد الإمامي النفروسطي من قتل إحساس اليمنيين بحضور الاحتلال العثماني، والذي تجلى في الصيغة الايديولوجية/ القانونية (لاتفاق دعان)، وما بعدها، وكذلك قتل وتدمير الإمامة المتوكلية الحميدية إحساس ووعي اليمنيين بوطأة الاستعمار البريطاني على جنوب الوطن، وكأن التاريخ يعيد نفسه في صورة مهزلة أو مأساة وطنية تراجيدية في صورة ما هو جار وحاصل اليوم..

يتبع في العدد القادم قراءة ومناقشة لمفهوم أو تعبير طرفي الحرب السائد في بعض الطروحات اليوم..

قراءة 1585 مرات آخر تعديل على الإثنين, 16 تشرين2/نوفمبر 2015 17:50

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة