الصراع بين أنصار الله وأحباب الله لن يتوقف إلا بانبثاق جبهة أنصار الدولة.

الأربعاء, 10 أيلول/سبتمبر 2014 17:17
قيم الموضوع
(4 أصوات)

 

رفعت ثورة فبراير 2011 شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"..ولكن النظام لم يكن موجودا حتى يسقط..وما كان موجودا لم يكن سوى ركام من  الفوضى يسمى نظام علي صالح..والقوة القهرية هي التي صنعت هذا الركام على مدى ثلاثة وثلاثين عاما وظلت ممسكة به طيلة هذه الفترة..وشعار "إسقاط النظام" لم يكن يعني من الناحية العملية سوى إسقاط هذه القوة القهرية..ولو أن الثورة أسقطتها فعلا فإن السيناريو الذي كان متوقعا نتيجة لذلك هو كما يلي:

1 – إن فاتورة إسقاط القوة القهرية ستكون كبيرة جدا على مستوى الخسائر البشرية والمادية.

2 – إن تعدد روافد الثورة وتباين مرجعياتها وأهدافها سيؤدي إلى انفلات ركام الفوضى وخروجه عن السيطرة.

3 - إن انفلات ركام الفوضى سيشجع على الممارسات الثأرية والإنتقامية.

4 - إذا تعذرت السيطرة على الممارسات الثأرية بسرعة قياسية ستكون مرشحة للتحول إلى حرب أهلية على نحو ما هو حاصل في ليبيا بعد إسقاط قوة القذافي القهرية.

         والذي حدث أن التسوية السياسية في اليمن حالت دون إسقاط القوة القهرية، لكنها انتزعت صاعقها من يد علي صالح وفوتت عليه إمكانية تحويل الثورة إلى حرب تدور رحاها من طاقة إلى طاقة حسبما أراد عملا بقاعدة "عليَّ وعلى أعدائي"

         والتسوية عندما انتزعت الصاعق من يد علي صالح أبطلت مفعول القوة القهرية وأرخت يدها الممسكة بركام الفوضى وتركت التعامل مع سيلانه للسياسة كي تستخلص النظام من بين الركام السائل..وهذا يقتضي أن يكون النظام المراد استخلاصه حاضرا في وعي النخب القائمة على العملية السياسية، على المستويين النظري والعملي الإجرائي..أي أنها يجب أن تكون مدركة لما يجب أن تفعله وكيف يجب أن تفعله، ومن أين ستبدأ وإلى أين ستنتهي، وما هي الأعراض الجانبية التي يمكن أن تبرز نتيجة لذلك وكيف يكون التعامل معها.

         وباستثناء مؤتمر الحوار الوطني الذي وقفت وراءه إرادة وخبرة دولية لم تستطع العملية السياسية أن تحقق توقعات الشعب باستخلاص النظام من ركام الفوضى ولو في حدوده الدنيا..ولهذا سببان: الأول يكمن في وجود مراكز قوى ركبت قطار الثورة وتحولت إلى ثورة مضادة غير معلنة تحاصر مؤسسة الرئاسة بالخطوط الحمراء من كل الجهات العسكرية والأمنية والمدنية ..والثاني يكمن في أن النظام المراد استخلاصه غير موجود في وعي رئيس حكومة الوفاق وأطرافها ذات النفوذ..ولهذا أصبحت حكومة باسندوة جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل.

         ولهذين السببين تعذر استخلاص النظام من بين ركام الفوضى ودفع الشعب ثمن ذلك حتى أصيب بالإحباط واليأس وهو يرى سنوات التسوية تمضي في أجواء معظمها عنف ودماء وخوف وظلام وطوابير وحرب إعلامية اختلط فيها الحابل بالنابل والحق بالباطل..والأنكأ من ذلك أن القائمين على العملية السياسية توجوا فشلهم الذريع برفع الدعم عن المشتقات النفطية بطريقة بدت للرأي العام كما لو أنها مؤامرة دبرت في ليل ليتحمل الشعب وحده الثمن دون أن يرى ما يشجعه على الصبر وما يدل على أن الغد سيكون أفضل، بينما قوى الفساد تسرح وتمرح دونما حياء أو خجل.

         ومن بين ركام الفوضى نفذ عبد الملك الحوثي واستطاع بالمال والسلاح أن يتمدد بسرعة قياسية في محافظات شمال الشمال..وقد ساعده على ذلك ثلاثة عوامل:

1 – حضور سلفي وهابي غير مبرر في مناطق تعاني من غياب التنمية وليس من فراغ في الإيمان الديني..ولذلك بدا هذا الحضور بمثابة إعتداء على خصوصيتها الثقافية لأهداف سياسية غير وطنية.. وعندما نقول غير وطنية فلأن زيدية هذه المناطق لم ولن تمنع أهلها من الانخراط في أي عمل وطني عابر للمذهبية..لذلك كان من السهل على الحوثي أن يدخل في معركة مع هذا الحضور وينتصر عليه..وعيب هذا الانتصار أنه تم بقوة السلاح، ما يعني أن الحوثي انتصر على الباطل بالباطل..وما بني على باطل فهو بالضرورة باطل.

2 – الظلم والحرمان الذي طال هذه المناطق من قبل مشيخة العصيمات التي استخدمت أهلها كمخزون اجتماعي وعسكري لبناء النفوذ ومراكمة الثروات والأموال المدنسة على حساب التنمية ليبقى الداعي القبلي مستجابا في أي لحظة والقبيلة جاهزة لحمل السلاح والحرب من أجل المشيخة التي استمرأت الحكم والتحكم وهي ترفض ألف باء الدولة، وترفض على نحو خاص أن تحتكر الدولة أدوات القوة وأن تكون العاصمة والمدن اليمنية خالية من السلاح..وها هو السلاح يقتلع هذه المشيخة من حاشد وبمباركة ومشاركة من حاشد نفسها..وسيتكرر هذا السيناريو مع الحوثي إن هو استمر في المراهنة على السلاح ليحل محل الدولة وفوقها.

3 – الفراغ الذي تركه علي صالح في مناطق شمال الشمال..فالرجل الذي كان على رأس الدولة كان يديرها من خارجها وبأدوات غير دولنية..لذلك عمل على تغييب الدولة هناك ليحضر هو بدلا عنها، ومعه حضرت مصالح مشروعة وأخرى غير مشروعة، وأبواب للرزق وأخرى للإرتزاق..وكان هذا هو الأساس الذي بنى عليه صالح قاعدته الاجتماعية القبلية في هذه المناطق من موقعه على رأس الدولة وضدا عليها..ومن الطبيعي أن يستقر في وعي هذه القاعدة  أن ذهاب علي صالح معناه إغلاق هذه الأبواب التي لن يتركها مفتوحة إلا رئيس من أبنائها..ومن السهل جدا العزف غير المعلن على هذا الوعي الخائف من المستقبل وتوظيفه لإرباك العملية السياسية المتعثرة..والأرجح أن علي صالح هو أكبر العازفين.

         ومن دواعي الأسف أن هذه القاعدة الاجتماعية القبلية لم تسمع من القائمين على العملية السياسية ما يطمئنها بأن الغد سيكون أفضل، وماتزال بعد ثلاث سنوات من الثورة تعتقد أن هزيمة علي صالح هي هزيمة لها، وأن مراكز القوى القبلية والعسكرية والدينية التي انشقت عليه وساندت الثورة ضده هي عمليا خائنة له وليست ثائرة على نظامه الذي هو أيضا نظامها..ولهذا وجدت نفسها جاهزة للإحتشاد وراء الحوثي، ليس حبا فيه، وإنما كراهية لخصومه الذين هم في الوقت نفسه خونة علي صالح..ومن بديهيات الأشياء أن يستريح صالح لهذا الاحتشاد وأن يشجعه ويدعمه رغم علمه أن الحوثي إذا تمكن سيعلقه فوق أعواد المشنقة جنبا إلى جنب مع كبار خونته.

         إن الفراغ الذي تركه علي صالح في مناطق شمال الشمال يفسر قدرة الحوثي على الحشد السريع تحت شعار: إسقاط الجرعة وإسقاط الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني..وتبني هذه المطالب هو دون أدنى شك إستثمار ذكي لفشل حكومة باسندوة وضيق أفق مراكز القوى التي تحاصر هادي وتريده أن يتصرف كضيف عندها لا كرئيس لكل اليمنيين ..لكنه استثمار من النوع الجائر والمثير للخوف..فما يقوم به الحوثي هو حشد مسلح أبعد ما يكون عن الاحتجاج المدني السلمي..خاصة وأن خطاباته طافحة بالتهديد والوعيد بما يفيد أنه سيذهب إلى حيث يريد وأنه جاهز لكل احتمالات التصدي لما يريد..وما يريده لم يقله صراحة حتى الآن..فهو يتحدث بلغة عمومية قابلة لأكثر من تأويل، ولا أحد يعرف بدقة ما هو السقف النهائي للتصعيد الذي يتحدث عنه وما هي الخطوات المؤلمة التي يهدد بها..والرسالة الوحيدة التي وصلت للناس أن الرجل لا يعترف بخطوط حمراء ممنوع عليه أن يتعداها..وعندما يفتقر الخطاب إلى الشفافية والوضوح والتحديد يكون خطابا غوغائيا وبلا مصداقية.

         إن غوغائية خطاب الحوثي تركت لمراكز القوى في حزب الإصلاح مساحة واسعة للمناورة واللعب على مخاوف الناس من حركة أنصار الله في وطن بلا دولة قادرة على أن تنتصر له..والقاسم المشترك الأعظم بين الكبار في هذين المعسكرين هو وجودهما موضوعيا في معادلة واحدة حاصل تفاعلها تغييب الدولة في الوعي وفي الواقع العياني الملموس..ولهذا نرى طرفا يحاصر الرئيس هادي ويخنق أنفاسه وطرفا يحاصر العاصمة ليضعف قدرته على فك الحصار الواقع عليه..إنهما عمليا جبهة واحدة..وعندما نقول جبهة واحدة فلأن العبرة في النتيجة وليس في المقدمات..والحل في انبثاق جبهة ثالثة قوية هي جبهة أنصار الدولة..وبدون هذه الجبهة الثالثة لن يتوقف الصراع العبثي بين أنصار الله وأحباب الله حتى بعد أن نصبح تحت الأنقاض..إنه صراع بلا نهاية لأن الموت في سبيل الله غاية أماني طرفيه..وبما أن الله حي دائم لا يموت فالموت في سبيله لن يتوقف إلا عندما توجد دولة يرى الناس في ظلها أن احترام الحياة هو أقصر الطرق إلى الله..ومجزرة الثلاثاء تدل دلالة قاطعة أن الحياة في هذا البلد لم تعد محترمة وأن معظم القتل فيه صار من أجل القتل..والقتل لا يجر إلا القتل.

 

قراءة 2058 مرات

1 تعليق

  • تعليق احمد الأربعاء, 10 أيلول/سبتمبر 2014 21:53 أرفق احمد

    أ،ت مع الطريق الثالث أذا ونحن معك

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة