الحوثي والإصلاح..فروق في الدرجة لا في النوع

الإثنين, 25 آب/أغسطس 2014 14:27
قيم الموضوع
(3 أصوات)

 

         من الصعب جدا أن تقنع إخوانيا واحدا في العالم العربي أن الإخوان المسلمين غير مؤهلين لإدارة الدولة في أي قطر عربي وأن أقصى ما يقدرون عليه هو إدارة جمعية خيرية خالصة لهم لا يشاركهم فيها أحد..والصعوبة في الإقناع تكمن في أن الإخواني لا يفكر في مسألة الحكم بعقل سياسي، وإنما بعقل أخلاقي..العقل السياسي يقول: لا يوجد حاكم عادل، وإنما توجد أوضاع ومؤسسات تجبر الحاكم أن يكون عادلا في كل تصرفاته المنضبطة لقانون عقلاني..والعقل الأخلاقي يفكر بطريقة معاكسة، فالمشكلة عنده في الحاكم..في الضمير وليس في المؤسسة..وبما أن الإخوان يربون قواعدهم على الاعتقاد بأنهم جماعة نقية ومصطفاة فإن الحاكم العادل لا وجود له إلا داخل هذه الجماعة.

         ومن يفكر بهذه الطريقة لا يصلح لإدارة دولة لأن البعد الثقافي الأحادي يسلبه القدرة على العمل مع الآخرين الذين يقعون خارج جماعته..ولهذا يعجز الإخواني أن يقود وأن يدير أناسا من خارج جماعته..وهو من هذه الناحية لا يختلف عن الحاكم الذي يقرب أهل الثقة والولاء ويستبعد أهل الكفاءة.

         إنظروا كيف يتعامل حزب الإصلاح مع التحدي الذي يمثله الحوثي..هذا الأخير حشد الناس تحت ثلاثة مطالب محددة بدقة، واستخدمها كأوراق ضغط لتحقيق مكاسب..وهذا أمر تعرفه الممارسة السياسية حتى في الديمقراطيات العريقة..وعوضا عن إحراج الحوثي بمنطق السياسة ذهب الإصلاح يشيطنه بخطاب طافح بمفردات الكراهية، ثم خرج يستعرض قوته بتنظيم تظاهرة موازية جند من أجلها وسائل الإعلام الرسمية التي يفترض أنها تقف على مسافة واحدة منه ومن الحوثي..وكان قد فعل مثل هذا في الجنوب عندما استعان بالسلطة المحلية لتنظيم مسيرة مزامنة ومضادة لمسيرة نظمها الحراك..ولعلكم تذكرون الدماء التي سالت حينها..وهذا خلط بين الدولة والسلطة دلالته أن حزب الإصلاح يتصرف كما لوكان هو الدولة وهو الإجماع الوطني والديني..وهذا أمر خطير يجر وراءه مخاطر كثيرة مساوية له في القوة ومضادة له في الاتجاه..ولهذا نقول، ونكرر القول، إن الظاهرة الحوثية ليست فعلا، وإنما ردفعل..وهي لم تنشأ للقضاء على مشروع وطني قائم، وإنما نشأت بسبب غياب هذا المشروع.

         وحزب الإصلاح مولع بالشعارات الكبرى من قبيل الدفاع عن الثورة والجمهورية والوحدة والدين...الخ..ودفاعه عن هذه المسميات دفاع أيديولوجي، وليس سياسيا..وليس لهذا أي تفسير سوى عجزه عن إنتاج مشروع سياسي وطني مقنع لكل اليمنيين على اختلاف مشاربهم..والفرق بينه وبين الحوثي أن هذا الأخير قوة صاعدة حركيا وخالية من مراكز القوى وأهل النفوذ وناهبي المال العام..بينما حزب الإصلاح قوة سائدة ألفها الناس واعتادوا عليها وتكيفوا معها واستسلموا للأنماط الثقافية التي فرضتها عليهم خلال عقود من تحالفها مع النظام منذ الإطاحة بالرئيس عبد الله السلال وتولي القاضي عبد الرحمن الإرياني في نوفمر 1967..وحزب الإصلاح طرف أساس في صياغة هذا النظام.

         لقد خرج الحوثي باسم الشعب، ومعظم الشعب ليس معه..والإصلاح فعل الشيء نفسه وقال هذا هو الشعب قد خرج معي..وفي هذه الحالة لا فرق بينه وبين الحوثي......سيقول البعض: ماذا كان على حزب الإصلاح أن يفعل؟..والجواب: كان عليه أن ينسحب من الحكومة وأن يعلن للرأي العام أنه سيقترح على الرئيس هادي أن يعرض على الحوثي تشكيل حكومة كلها من أنصار الله باستثناء أربع حقائب يجب أن تكون سيادية يختار وزراءها الرئيس هادي نفسه وهي الدفاع والداخلية والإعلام والتربية والتعليم...وإذا كانت هناك مخاوف عند الإصلاح من حكومة يديرها أنصار الله فإن هذه المخاوف لن تكون مشروعة إلا إذا وافقته عليها بقية الأطراف..وفي هذه الحالة لا يستطيع الحوثي أن يشكك بمشروعيتها وسيكون طرفا في التوقيع مع الجميع على اتفاق من نوع ما يبدد تلك المخاوف.

         سيقول البعض: المبادرة الخليجية تتحدث عن فترة إنتقالية تديرها حكومة وفاق وطني..وهذه حجة ضعيفة من ثلاث جهات..أولا: المشاركة في حكومة الوفاق حق وليس واجبا..والحق يمكن التنازل عنه..ثانيا: من حق الحوثي أن يشرك معه من يريد من أطراف الوفاق شريطة أن يتحمل هو المسئولية عن أداء الحكومة..ثالثا: الجوهري في الحكومة هو برنامجها..والبرنامج يمكن – بل يجب -  أن يكون توافقيا، في ضؤ نتائج الحوار الوطني، وقابلا للتنفيذ والتزمين والقياس.

         إذا رفض الحوثي هذا العرض سقطت أوراق الضغط التي يلعب بها..وإذا قبل سيكون أمام احتمالين: إما أن تحقق حكومته نجاحات مقنعة..وإما أن يكون الفشل في انتظارها..في الحالة الأولى سيكون النجاح نجاحا للوطن كله، والحوثي أحد مكوناته..وفي الحالة الثانية سيكون الفشل بمثابة الطعم الذي ابتلعه الحوثي، وقد لا يتعافى منه أبدا.

         إذا كان حزب الإصلاح متأكدا من عدم أهلية الحوثي فعليه أن يدع اليمنيين يتأكدون من ذلك بأنفسهم..علما أن كثيرا من اليمنيين يحملون حزب الإصلاح القسط الأكبر من المسئولية عن فشل حكومة باسندوة وتعثر إنجاز مهام المرحلة الانتقالية. 

         والذي يجري الآن أن الحوثي يقدم نفسه على أنه المنقذ من الضياع..بينما يعتقد حزب الإصلاح أن البلاد بدونه ستضيع..وهذا قاسم مشترك أعظم بين الطرفين يضعهما في خانة واحدة كنوع واحد..وما تبقى من اختلافات تنتمي إلى الدرجة.   

قراءة 2221 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة