البردوني..ضمير اليمن الممتد في الماضي والحاضر والمستقبل

الثلاثاء, 30 آب/أغسطس 2016 20:31 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أي نفع يجتني الشعب إذا مات ( فرعون) لتبقى الفرعنه؟..

رحل قائلها منذ (17عاماً) وظلت هذه العبارة أيقونة لما يحدث اليوم حقاً.

الأديب والشاعر ورب الحرف والقلم "عبدالله البردوني" ذلك الفيلسوف الحكيم، والقارئ للمستقبل، والذي غاص بسفينته في عمق ألشعر مبحراً في الآلاف من السطور والكلمات التي تنوعت ما بين الأدب السياسي والشعر الفصيح.

"فليقصفوا لست مقصف.. وليعنفوا انت أعنف".

بيت من شعر البردوني جلجلت قوائم سلطة صالح المستبدة، قالها شاعرنا الذي ولد أعمى البصر، صحيح النظر في البصيرة، قالها ضمن سطور مؤلفاته التي تزخر بها رفوف المكتبة اليمنية.

البردوني شاعر اليمن الذي استبشرت احد قرى ريف ذمار في تسعينيات القرن الماضي بمولدة ولد أعمى البصر، لكن هذا الشاعر لم يكن أعمى البصيرة والحس والقول والكلمة على الإطلاق، ولم يعش حياته بعينين كفيفتين، بل عاش ينظر الى الواقع وذلك إنطلاقا من رؤيته الواضحة التي تجلت في وصفه الشعري الدقيق الذي عكس من خلاله الواقع اليمني والعربي عموما في صورة شعرية صادقة تعامى عنها الملايين من الأدباء والشعراء المبصرين.

شاعرٌ ولد في الريف واعتاد شرب اللبن، شاعرٌ اثبت للعالم انه ليس ذلك القروي المحب للسخرية الصفة المتلازمة بأبناء منطقته ذمار، اثبتها تجسيداً وقولاً وحرفاً وكلمة با اجمل وأروع أساطير وملاحم الأدب، مؤكداً بذلك للحاضر والمستقبل بانه ليس شي من ذكر الماضي، فقد تمكن طوال فترة حياته أن يرى وطنه وأمته العربية بعين الحاضر والمستقبل معاً.

البردوني شاعرٌ مازال يعيش بيننا صورة نضالية وشخصية أدبية وبين صفوفنا ولم يفارقنا بعد، كيف لا ؟ وهو القائل واصفاً صنعاء:

ولدت صنعاء بسبتمبر

كي تلقى الموت بنوفمبر

لكن كي تولد ثانية

في مايو … أو في أكتوبر

في أوّل كانون الثاني أو في الثاني من ديسمبر

ما دامت هجعتها حبلى فولادتها لن تنأخّر

رغم الغثيان تحنّ إلى : أوجاع الطلّق ولا تضجر

*

مخاطبا بتسؤال عميق عن المدينة ذاتها في قصيدته "صنعاء والموت والميلاد":

هل تدري صنعاء الصّرعى كيف انطفأت ؟ ومتى تنشر؟

كالمشمش ماتت واقفة لتعدّ الميلاد الأخضر

تندى وتجف لكي تندى وترفّ ترفّ لكي تصفر

وتموت بيوم مشهور كي تولد في يوم أشهر

ترمي أوراقا ميتة وتلّوح بالورق الأنضر

وتظلّ تموت لكي تحيا وتموت لكي تحيا أكثر

*

البردوني ليس مجرد شاعر عبقري فقط، وإنما ضمير ينبع بالوطنية وضميرنا المتجذر والمتجدد في الأرض والوجدان على مدى كل المراحل.

وانا في صدد الكتابة عن هذا الأديب العملاق وجدت مقتطفات جملية للصحفي الزميل والرفيق فتحي ابو النصر، في وصف البردوني رأيت من الجمال ان اضمنها هذا المقال والتي قال فيها "الحال ان هناك علاقة بين الهاشمية السياسية التي أصابت اليمن، والجدري الذي أصاب البردوني صغيرا، كما ان هناك علاقة بين عمى الوهابية الذي تغلغل في اليمن لاحقا، وبين البردوني بإعتباره بصيرتنا الاعمق.

مؤكداً رفيقي ابو النصر، بان العلاقة في الفقرة السابقة بان الشاعر وضميرنا الممتد البردوني " سيظل بوصلة الذات اليمنية التاريخية التي يستحيل تجريفها ومحوها، الذات الهازئة من البوصلات المشوهة والمنحرفة، الذات المعاندة التي لاتستطيب مساعي الطغيان مهما قام هذا الطغيان بتجميل ذاته.

وفي واقعنا المعاش اليوم، نلاحظ اختفاء آلاف السياسيون والمثقفون اليمنيون،  عندما احتاج الناس لسماع أصواتهم بعكس الصورة النضالية والسياسية التي جسدها شاعرنا الكبير البردوني رغم فقدانه للبصر لكنه ضل صوتاً جهورا ضد الظلم والاستبداد.

خذلوك أيها الشاعر الكبير كل مثقفينا الوهميين في خضم الثورة والحرب فقد عاش كل مثقفيا متوسدين الصمت، يكتفون بالغمغمة عن السلام والدولة المدنية، حيث اثبتت الاحداث عجزهم التام عن الفهم والثورة الحقيقية خاذلين بذلك رب الكلمة الجهورة في وجه المستبدين البردوني الذي عاش سياسيا وأديبا في الوقت معا.

اليوم كل هؤلاء المثقفين اثبتوا خذلانهم للبردوني، والذي اثبت الواقع ذلك من خلال ما ضل  هؤلاء المثقفين يثرثرون عن الثورة نصف قرن، بدلا عن الاعتماد على الشعب.

شاعرنا وضمير اليمن الممتد، لا شيبة اليوم ممن يدعون انهم من أرباب الأدب لك، يظل الواقع الحالي عاجزا عن انتاج بردوني اخر، وذاك نتاجاً لما جسده أدباء هذا العصر من مغادرة للفهم من ظاهر السطور، متجاوزين بذاك استبطان المضمون، واصبحوا يقراؤن ماوراء السطور لاكتشاف ماورائية الكلام بوعي زائف.

 من هنا اصبح من غير الصعب اكتشاف المتسترين وراء الثقافة من خلال اللغة المتقعرة، التي تفقد رابط طرح القضية بأية صورة كانت، ومثل ذلك المتستر وراء لفظ الوطنية او المقاومة او الفساد او العدوان، من خلال خطابات ادبية تتسم بالديماغوجية الانفعالية وتشديد الاتهام للغير او الاخر، ووراء التعاطف الإنساني الذي ينكشف من خلال لغة خطابه الميت، والمرصع بزخارف التعبير اللغوي المتعاطف.

ختاماً، لا اجد ان أزهو بفخر بكلماتك الذي أذهلت كل شعراء وأدباء العالم في قصيدة كنت اخر من ألقاها في حفل " بذكرى ابو تمام" بموصل العراق في العام 1971م، وكانت لهم لجاماً اخرس وهميتهم بأنهم عمالقة الشعر بعد ان نظروا إليك باستهزاء واستخفاف لشاعر أعمى يقودة شخصاً وآثار الحليب على فمه، فقلت لهم موجها قصيدة كانت الأجدر بين هؤلاء المتوهمين بزعامة الشعر والأدب لنيل الجائزة.

مـاذا جـرى... يـا أبا تمام تسألني؟ = عفواً سأروي.. ولا تسأل.. وما السبب

يـدمي الـسؤال حـياءً حـين نـسأله = كـيف احتفت بالعدى (حيفا) أو )النقب)

مـن ذا يـلبي؟ أمـا إصـرار معتصم؟ = كلا وأخزى من (الأفشين) مـا iصلبوا

الـيوم عـادت عـلوج (الروم) iفاتحة = ومـوطنُ الـعَرَبِ الـمسلوب والسلب

مـاذا فـعلنا؟ غـضبنا كـالرجال ولم = نـصدُق.. وقـد صدق التنجيم والكتب

فـأطفأت شـهب (الـميراج) أنـجمنا = وشـمسنا... وتـحدى نـارها الحطب

وقـاتـلت دونـنا الأبـواق صـامدة = أمـا الـرجال فـماتوا... ثَمّ أو هربوا

حـكامنا إن تـصدوا لـلحمى اقتحموا = وإن تـصدى لـه الـمستعمر انسحبوا

هـم يـفرشون لـجيش الغزو أعينهم = ويـدعـون وثـوبـاً قـبل أن iيـثبوا

الـحاكمون و»واشـنطن« حـكومتهم = والـلامعون.. ومـا شـعّوا ولا غربوا

الـقـاتلون نـبوغ الـشعب تـرضيةً = لـلـمعتدين ومــا أجـدتهم الـقُرَب

لـهم شموخ (المثنى) ظـاهراً iولهم = هـوىً إلـى »بـابك الخرمي« ينتسب

مـاذا تـرى يـا (أبا تمام) هل كذبت = أحـسابنا؟ أو تـناسى عـرقه الذهب؟

عـروبة الـيوم أخـرى لا يـنم على = وجـودها اسـم ولا لـون ولا لـقب

تـسـعون ألـفاً (لـعمورية) اتـقدوا = ولـلـمنجم قـالـوا: إنـنـا الـشهب

قـبل: انتظار قطاف الكرم ما iانتظروا = نـضج الـعناقيد لـكن قـبلها التهبوا

والـيوم تـسعون مـليوناً ومـا بلغوا = نـضجاً وقـد عصر الزيتون والعنب

تـنسى الـرؤوس العوالي نار iنخوتها = إذا امـتـطاها إلـى أسـياده الـذئب

(حـبيب) وافـيت من صنعاء يحملني = نـسر وخـلف ضلوعي يلهث العرب

مـاذا أحـدث عـن صـنعاء يا iأبتي؟ = مـليحة عـاشقاها: الـسل iiوالـجرب

مـاتت بصندوق »وضـاح«بلا iثمن = ولـم يمت في حشاها العشق والطرب

كـانت تـراقب صبح البعث فانبعثت = فـي الـحلم ثـم ارتمت تغفو وترتقب

لـكنها رغـم بـخل الغيث ما برحت = حبلى وفي بطنها »قحطان« أو »كرب«

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

قراءة 1698 مرات

من أحدث عارف الواقدي

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة